كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



السادس: قوله تبارك وتعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180].
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسما» فها هنا الأسماء كثيرة، والمسمى واحد، وهو الله سبحانه وتعالى.
السابع: أن قوله تعالى: {بسم الله} وقوله تعالى: {تبارك اسم ربك} [الرحمن: 78] ففي هذه الآيات يقتضي إضافة الاسم إلى الله تعالى وإضافة الشيء إلى نفسه محال.
الثامن: أنا ندرك تفرقة ضرورية بين قولنا: اسم الله وبين قولنا: اسم الاسم، وبين قولنا: الله الله، وهذا يدل على أن الاسم غير المسمى.
التاسع: أنا نصف الأسماء بكونها عربية وفارسية، فنقول: الله: اسم عربي، وخوذاي: اسم أعجمي، وأما ذات الله تعالى، فمنزهة عن كونه كذلك.
العاشر: قال تبارك وتعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180] أمرنا بأنا ندعو الله بأسمائه، والاسم آلة الدعاء، والمدعو هو الله تعالى، والمغايرة بين ذات المدعو، وبين اللفظ الذي يحصل به الدعاء معلوم بالضرورة.
واحتج من قال: الاسم هو المسمى بالنص، والحكم:
أما النص، فقوله تعالى: {تبارك اسم ربك} والمتبارك المتعالى هو الله تبارك وتعالى لا الصوت ولا الحرف.
وأما الحكم: فهو أن الرجل إذا قال: زينب طالق، وكان زينب اسما لامرأته، وقع عليها الطلاق، ولو كان الاسم غير المسمى، لكان قد أوقع الطلاق على غير تلك المرأة، فكان يجب ألا يقع الطلاق عليها.
الجواب عن الأول: أن يقال: لم لا يجوز أن يقال: كما أن يجب علينا أن نعتقد كونه منزها عن النقائص والآفات، فكذلك يجب علينا تنزيه الألفاظ الموضوعة لتعريف ذات الله تعالى وصفاته عن العبث، والرفث، وسوء الأدب؟
وعن الثاني: أن قولنا زينب طالق معناه: أن الذات التي يعبر عنها بهذا اللفظ طالق، فلهذا السبب وقع الطلاق عليها. والله في: {بسم الله} مضاف إليه.
وهل العامل في المضاف إليه المضاف أو حرف الجر المقدر، أو معنى الإضافة؟
ثلاثة أقوال خيرها أوسطها وهو علم على المعبود بحق لا يطلق على غيره ولم يجز لأحد من المخلوقين أن يسمى باسمه، وكذلك الإله قبل النقل، والإدغام، لا يطلق إلا على المعبود بحق.
قال الزمخشري رحمه الله كأنه صار علما بالغلبة وأما إله المجرد عن الألف، فيطلق على المعبود بحق وعلى غيره، قال تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} [الأنبياء: 22] {ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به} [المؤمنون: 117]، {من اتخذ إلهه هواه} [الفرقان: 43].
قال ابن الخطيب رحمه الله تعالى: من الناس من طعن في قول من يقول الإله هو المعبود من وجوه:
أحدها: أنه تعالى إله الجمادات والبهائم، مع أن صدور العبادة منها محال.
الثاني: أنه- تعالى إله المجانين والأطفال، مع أنه لا تصدر العبادة منهم.
الثالث: يلزم أن يقال: إنه تعالى ما كان إلها في الأزل.
وقال قوم الإله ليس عبارة عن المعبود، بل الإله هو الذي يستحق أن يكون معبودا، وهذا القول- أيضا- يرد عليه ألا يكون إلها للجمادات، والبهائم، والأطفال، والمجانين، وألا يكون إلها في الأزل.
وأجيب: بأن هذين الإلزامين ضعيفان.
فإن الله تعالى مستحق للعبادة في الأزل، بمعنى أنه أهل لأن يعبد، وهذا لا يتوقف على حصول العبادة.
والثاني- أيضا- ضعيف؛ لأنه في الأزل مستحق للعبادة.
واختلف الناس: هل هو مرتجل أو مشتق؟
والصواب الأول وهو أعرف المعارف حكي أن سيبويه رؤي في المنام فقيل: ما فعل الله بك؟ فقال: خيرا كثيرا؛ لجعل اسمه أعرف المعارف.
ثم القائلون باشتقاقه اختلفوا اختلافا كثيرا:
فمنهم من قال: أنه مشتق من لاه- يليه، أي: ارتفع، ومنه قيل للشمس: إلاهة- بكسر الهمزة وفتحها- لارتفاعها.
وقيل: لاتخاذهم إياها معبودا، وعلى هذا قيل: لهي أبوك يريدون لله أبوك فقلت العين إلى موضع اللام، وخففه بحذف الألف واللام، وحذف حرف الجر.
وأبعد بعضهم، فجعل من ذلك قول الشاعر في ذلك: الطويل:
ألا يا سنا برق على قلل الحمى ** لهنّك من برق عليّ كريم

فإن الأصل: لله إنك كريم عليّ فحذف حرف الجر، وحرف التعريف، والألف التي قبل الهاء من الجلالة، وسكّن الهاء؛ إجراء للوصل مجرى الوقف، فصار اللفظ: له ثم ألقى حركة همزة إن على الهاء فبقي لهنّك كما ترى، وهذه سماجة من قائله وفي البيت قولان أيسر من هذا.
ومنهم من قال: هو مشتق من لاه- يلوه- لياها أي احتجب فالألف على هذين القولين أصيلة فحينئذ أصل الكلم لاه اللاه ثم أدغمت لام التعريف في اللام بعدها؛
لاجتماع شروط الإدغام، وفخذمت لامه، ووزنه على القولين المتقدمين إما: فعَل أو فعِل بفتح العين وكسرها، وعلى كل تقدير: فتحرك حرف العلة، وانفتح ما قبله فقلب ألفا، وكان الأصل: ليها أو ليها أو لوها أو لوها.
ومنهم من جعله مشتقا من أله وأله لفظ مشترك بين معان، وهي: العبادة والسكون، والتحير، والفزع؛ قال الشاعر: الطويل:
ألهت إلينا والحوادث جمة

أي: سكنت؛ وقال غيره: الطويل:
ألهت إليها والركائب وقّف

أي: فزعت إليها.
فمعنى إله أن خلقه يعبدونه، ويسكنون إليه، ويتحيرون فيه، ويفزعون إليه، ومنه قول رؤبة: الرجز:
لله در الغانيات المده ** سبّحن واسترجعن من تأله

أي: من عبادة.
ومنه قوله تعالى: {ويذرك وآلهتك} [الأعراف: 127] أي: عبادتك.
وإلى معنى التحير أشار أمير المؤمنين رضي الله عنه بقوله: كل دون صفاته تحير الصفات، وضل هناك تصاريف اللغات؛ وذلك أن العبد إذا تفكر في صفاته تحيّر؛
ولهذا روي: تفكروا في آلاء الله، ولا تتفكروا في الله.
وعلى هذا فالهمزة أصلية، والألف قبل الهاء زائد، فأصل الجلالة: الإله؛ كقول الشاعر في ذلك البيت: الطويل:
معاذ الإله أن تكون كظبية ** ولا دمية ولا عقيلة ربرب

فالتقى حرف التعريف مع اللام، فأدغم فيها وفخّم.
أو تقول: إن الهمزة من الإله حذفت للنقل بمعنى: أنا نقلنا حركتها إلى لام التعريف، وحذفناها بعد نقل حركتها، كما هو المعروف في النقل، ثم أدغم لام التعريف؛ لما تقدم، إلا أن النقل- هنا- لازم؛ لكثرة الاستعمال.
ومنهم من قال: هو مشتق من وله؛ لكون كل مخلوق واله نحوه، ولهذا قال بعض الحكماء: الله محبوب للأشياء كلها وعلى هذا دل قوله تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} [الإسراء: 44].
فأصله: ولاه ثم أبدلت الواو همزة، كما أبدلت في إشاح، وإعاء والأصل:
وشاح، ووعاء.
فصار اللفظ به: إلها ثم فعل به ما تقدم من حذف همزته، والإدغام، ويعزى هذا القول للخليل- رحمه الله تعالى-.
فعلى هذين القولين وزن إلاه: فعال وهو بمعنى مفعول، أي: معبود أو متحير فيه؛ كالكتاب بمعنى مكتوب، ورد قول الخليل بوجهين:
أحدهما: أنه لو كانت الهمزة بدلا من واو، لجاز النطق بالأصل، ولم يقله أحد، ويقولون: إشاح ووشاح، وإعاء ووعاء.
والثاني: أنه لو كان كذلك لجمع على أولهة كأوعية، وأوشحة، فترد الهمزة إلى أصلها، ولم يجمع إله إلا على آلهة.
وللخليل أن ينفصل عن هذين الاعتراضين؛ بأن البدل لزم في هذا الاسم؛ لأنه اختص بأحكام لم يشركه فيها غيره كما ستقف عليه- إن شاء الله تعالى- ثم جاء الجمع على التزام البدل.
وأما الألف واللام، فيترتب الكلام فيها على كونه مشتقا أو غير مشتق.
فإن قيل بالأول كانت في الأصل معرفة.
وإن قيل بالثاني كانت زائدة.
وقد شذّ حذف الألف واللام من الجلالة في قولهم: لاه أبوك والأصل: لله أبوك كما تقدم، قالوا: وحذفت الألف التي قبل الهاء خطا؛ لئلا يشتبه بخط اللات: اسم الصنم؛
لأن بعضهم يقلب هذه التاء في الوقف هاء، فيكتبها هاء تبعا للوقف، فمن ثم جاء الاشتباه.
وقيل: لئلا يشبّه بخط اللاه اسم فاعل من لها- يلهو وهذا إنما يتم على لغة من يحذف ياء المنقوص وقفا؛ لأن الخط يتبعه، وأمن من يثبتها وقفا فيثبتها خطا، فلا لبس حينئذ.
وقيل: حذف الألف لغة قليلة جاء الخط عليها، والتزم ذلك؛ لكثرة استعماله؛ قال الشاعر: الرجز:
أقبل سيل جاء من أمر الله ** يحرد حرد الجنة المغله

قال ابن الخطيب- رحمه الله-: ويتفرع على هذا مسائل:
أحدها: لو قال عند الحلف: بلّه، فهل تنعقد يمينه أم لا؟ قال بعضهم: لا؛ لأن بلّه اسم للرطوبة فلا ينعقد اليمين به.
وقال آخرون: ينعقد اليمين؛ لأن ذلك بحسب أصل اللغة جائز، وقد نوى به الحلف، فوجب أن تنعقد.
وثانيها: لو ذكره على هذه الصفة عند الذبيحة هل يصلح ذلك أم لا؟
وثالثها: لو ذكر قوله: الله في قوله: الله أكبر هل تنعقد الصلاة به أم لا؟
وحكم لامه التفخيم، تعظيما ما لم يتقدمه كسر فترقق.
وقد كان أبو القاسم الزمخشري- رحمه الله تعالى- قد أطلق التفخيم، ولكنه يريد ما قلته.
ونقل أبو البقاء- رحمه الله-: أن منهم من يرققها على كل حال وهذا ليس بشيء؛ لأن العرب على خلافه كابرا عن كابر كما ذكره الزمخشري.
ونقل الفرّاء خلافا فيما إذا تقدمه فتحة ممالة أي قريبة من الكسرة: فمنهم من يرققها، ومنهم من يفخمها، وذلك كقراءة السوسي في أحد وجهيه: {حتى نرى الله جهرة} [البقرة: 55].
قال ابن الخطيب: رحمه الله تعالى- لم يقل أحد الله بالإمالة إلا قتيبة في بعض الروايات.
ونقل السهيلي، وابن العربي فيه قولا غريبا، وهو أن الألف واللام فيه أصلية غير زائدة، واعتذروا عن وصل الهمزة، لكثرة الاستعمال كما يقول الخليل في همزة التعريف، وقد رد قولهما بأنه كان ينبغي أن ينون لفظ الجلالة، وكان وزنه حينئد فعال نحو: لئال وسئال، وليس فيه ما يمنعه من التنوين، فدل على أن أل زائدة على ماهية الكلمة.
ومن غريب ما نقل فيه- أيضا- أنه ليس بعربي، بل هو معرب، وهو سرياني الوضع، وأصله: لاها فعربته العرب، فقالوا: الله؛ واستدلوا على ذلك بقول الشاعر: مخلّع البسيط:
كحلفة من أبي رياح ** يسمعها لاهه الكبار

فجاء به على الأصل قبل التعريف، نقل ذلك أبو زيد البلخي- رحمه الله تعالى-.
ومن غريب ما نقل فيه- أيضا- أن الأصل فيه الهاء التي هي كناية عن الغائب، قالوا: وذلك أنهم أثبتوه موجودا في نظر عقولهم؛ فأشاروا إليه بالضمير، ثم زيدت فيه لام الملك، إذ قد علموا أنه خالق الأشياء ومالكها، فصار اللفظ له، ثم زيد فيه الألف واللام؛ تعظيما وتفخيما، وهذا لا يشبه كلام أهل اللغة، ولا النحويين، وإنما يشبه كلام بعض المتصوفة.
ومن غريب ما نقل فيه- أيضا- أنه صفة، وليس باسم، واعتل هذا الذاهب إلى ذلك؛ أن الاسم يعرّف المسمى، والله تعالى لا يدرك حسا ولا بديهة، فلا يعرفه اسمه، وإنما تعرفه صفاته؛ ولأن العلم قائم مقام الإشارة، وذلك ممتنع في حق الله تعالى.
وقد رد الزمخشري هذا القول بما معناه: أنك تصفه، ولا تصف به فتقول: إله عظيم واحد كما تقول: شيء عظيم، ورجل كريم، ولا تقول: شيء إله، كما لا تقول: شيء رجل، ولو كان صفة لوقع صفة لغيره لا موصوفا.
وأيضا: فإن صفاته الحسنى، لابد لها من موصوف بها تجري عليه، فلو جعلناها كلها صفات بقيت غير جارية على اسم موصوف بها، وليس فيما عدا الجلالة خلاف في كونه صفة فتعين أن تكون الجلالة اسما لا صفة، والقول في هذا الاسم الكريم يحتمل الإطالة، وهذا القدر كاف.